الصدقة في الخفاء - أثر بسيط صنع فارقًا كبيرًا

الجزء الأول: البداية والابتلاء كان الوقت فجر يوم جديد، والشوارع لا تزال نائمة. خرج "عادل" يحمل عربته الخشبية الصغيرة التي تتأرجح تحت ثقل ما يحمل عليها من …

ألف حكاية و قصة | belstories
المؤلف ألف حكاية و قصة | belstories
تاريخ النشر
آخر تحديث

الجزء الأول: البداية والابتلاء


كان الوقت فجر يوم جديد، والشوارع لا تزال نائمة. خرج "عادل" يحمل عربته الخشبية الصغيرة التي تتأرجح تحت ثقل ما يحمل عليها من خضروات بسيطة. كان رجلاً فقيرًا يعيش على ما يجنيه يومًا بيوم، بالكاد يكفي قوت يومه وابنته الصغيرة "مريم"، ذات السبع سنوات، التي كانت تلازمه دائمًا وتساعده على ترتيب الخضروات وبيعها.


الصدقة في الخفاء
الصدقة في الخفاء - أثر بسيط صنع فارقًا كبيرًا


عادل لم يكن يمتلك مزرعة خاصة به، بل كان يحصل على الخضروات من أحد المزارعين في قريته مقابل تقاسم الأرباح. لم يشتكِ يومًا، بل كان دائم الحمد والشكر لله على كل شيء. لكنه كان يخفي في قلبه آلامًا لا يعلمها إلا الله. كان يعاني من قلة الحيلة وضيق العيش، وكان يشعر بالعجز أمام مرض ابنته "مريم". الأطباء أخبروه أن علاجها مكلف للغاية، وهو يعلم أن ما لديه لا يكفي حتى لتوفير الطعام لعدة أيام.


امتحان الإيمان


ذات صباح، وبينما كان عادل يبيع الخضروات في السوق، كان ينظر إلى المارة بعينين مليئتين بالأمل والخوف معًا. "يا رب، فرّج همي"، تمتم عادل في سرّه. كان يعلم أن الفرج لا يأتي إلا من الله، لكنه كان بحاجة إلى سبب يُرسله الله له.


في زاوية السوق، كانت "سعاد"، معلمة شابة تعمل في مدرسة قريبة. كانت تمر يوميًا بجانب عربة عادل، ولاحظت همومه الواضحة رغم ابتسامته الهادئة. كانت ترى في "مريم" طفلة صغيرة مشرقة، لكنها بدت أضعف مع مرور الأيام. في يوم من الأيام، قررت أن تتحدث إلى عادل بلطف:


- "السلام عليكم يا عم عادل، كيف حالك اليوم؟"

تفاجأ عادل بهذه المبادرة، لكنه رد بابتسامة صغيرة:

- "وعليكم السلام يا ابنتي، الحمد لله على كل حال."


لاحظت سعاد التردد في صوته، لكنها لم تضغط عليه ليتحدث. عادت إلى منزلها وهي تفكر في طريقة لمساعدته دون أن تُحرج كرامته.


اللقاء مع "أسامة"


في نفس اليوم، وبينما كان عادل ينهمك في ترتيب الخضروات، توقف أمامه شاب يُدعى "أسامة". بدا أسامة رجلاً وقورًا ومتواضعًا، وكان يمر في السوق بشكل منتظم. وقف لبرهة يراقب عادل ثم اقترب قائلاً:


- "يا أخي، أرى أنك تعمل بجد، لكن يبدو عليك الإرهاق. هل لي أن أساعدك بطريقة ما؟"

تفاجأ عادل بسؤال أسامة، لكنه حاول إخفاء مشاعره قائلاً:

- "جزاك الله خيرًا يا بني، لكنني بخير. الحمد لله على كل حال."


ابتسم أسامة وأخرج مبلغًا من المال قائلاً:


- "اعتبر هذا دعمًا لتجارتك. إن شاء الله، ستتوسع وتصبح لديك محلات كثيرة."

حاول عادل أن يرفض، لكنه شعر بإصرار أسامة وقبِل المبلغ بحياء وهو يقول:

- "أسأل الله أن يبارك فيك ويجعل هذا العمل في ميزان حسناتك."


أثر الصدقة


عاد عادل إلى منزله ومعه المال. كانت عيناه ممتلئتين بالدموع وهو يتأمل وجه ابنته "مريم"، التي كانت تنام بسلام رغم مرضها. بدأ يفكر في كيفية استخدام هذا المال لعلاجها. في الأيام التالية، بدأ عادل في مراجعة الأطباء وتأمين الدواء اللازم. بحمد الله، بدأت حالة مريم تتحسن ببطء، وأصبح الأمل يملأ قلب عادل من جديد.


ما لم يعلمه عادل أن هذه الصدقة كانت خالصة لوجه الله، فقد قرر أسامة أن لا يكشف عن هويته أو عن نيته الحقيقية. في الوقت نفسه، قررت "سعاد" أن تساعد عادل بشكل غير مباشر. كانت تشتري الخضروات منه بشكل دائم وتشجع الآخرين على دعمه، لكنها لم تُظهر نيتها الصادقة أمامه.


بداية التحول


مع مرور الوقت، بدأت تجارة عادل تتحسن بشكل غير متوقع. كان الناس يتوافدون على عربته بشكل أكبر، وأصبح يحصل على أفضل المحاصيل من المزارعين. استطاع عادل شراء عربة جديدة، ثم استأجر محلًا صغيرًا في السوق. خلال هذه الفترة، لاحظت "سعاد" التغيير في حياة عادل، وقررت أن تكون قريبة من "مريم"، التي بدأت تتعافى وتعود إلى المدرسة تدريجيًا.


في أحد الأيام، وبينما كانت "سعاد" تزور المحل الجديد، دخل "أسامة" بهدوء. كان يراقب من بعيد، لكنه لم يتحدث إلى عادل مباشرة. فقط نظر إليه بابتسامة ودعا له في سره أن يبارك الله له في رزقه.


دعم غير مباشر


لم تكتفِ "سعاد" بالدعم البسيط. أخذت على عاتقها أن تتحدث مع زميلاتها في المدرسة حول قصة "عادل" ومعاناته وكيف تمكن من الصمود رغم كل الصعوبات. سرعان ما انتشرت قصته بين أهل الحي، وبدأ المزيد من الناس في التوافد إلى محله. لاحظ عادل هذا التغير، لكنه لم يكن يعلم أن وراءه أشخاصًا يدعون له ويدعمونه بصمت.


من جهة أخرى، كانت "مريم" تلعب دورًا في جذب الزبائن. بطبيعتها المرحة وابتسامتها الطفولية التي بدأت تعود تدريجيًا، كانت تُضفي جوًا من البهجة على المكان. أصبح محل عادل مقصدًا ليس فقط لشراء الخضروات، بل لتبادل الأحاديث والابتسامات.


ملاحظة فتاة من بعيد


لم تكن "سعاد" الوحيدة التي لاحظت جهود عادل وتفانيه. فتاة أخرى كانت تمر بالسوق بشكل منتظم لمراقبته دون أن يعلم. كانت تجده مختلفًا عن البقية، بشخصيته الصبورة وابتسامته الصادقة رغم كل المصاعب. تساءلت كثيرًا عن سر التحول المفاجئ في حياته، ولكنها لم تكن تعلم القصة الكاملة. شعرت بالإعجاب به، وقررت أن تتحدث إليه يومًا ما عندما تحين الفرصة.


اللحظة الفاصلة


وقف عادل ذات يوم أمام محله الجديد، ينظر إلى السماء ويدعو الله أن يبارك في رزقه ويعوضه عن سنوات الحرمان. وفي تلك اللحظة، اقتربت منه "سعاد" بابتسامة خجولة تحمل في يدها كتابًا صغيرًا. قالت له:

- "هذا الكتاب يتحدث عن الأمل والصبر... أعتقد أنك أكثر شخص يستحق قراءته."

شعر عادل بالامتنان لهذه الكلمات، لكنه لم يكن يعلم أن هذه اللحظة ستكون بداية قصة جديدة في حياته.

وفي الجهة الأخرى من السوق، كانت الفتاة التي راقبته من بعيد تشعر أن وقت الحديث معه قد اقترب، وبأن حياتها أيضًا قد تكون على وشك أن تتغير بسبب ما رأته فيه من صدق وصبر.


الإشارات الأولى لمستقبل مشترك


مع مرور الأيام، بدأت "سعاد" تشعر برابط خاص يجمعها بعادل. لم يكن الأمر مجرد إعجاب بجهوده أو احترام لصبره، بل كانت ترى فيه شريكًا محتملًا لحياة مبنية على الإيمان والصبر. بدأت في الدعاء بأن يكتب الله لها الخير، وأصبحت تتقرب أكثر من مريم، التي كانت تشعر بسعادة خاصة بوجود "سعاد" بجانبها.


النهاية المثيرة للجزء الأول


ماذا سيحدث بعد ذلك؟ هل سيكتشف عادل من كان السبب الحقيقي في تغير حياته؟ وكيف ستتداخل حياة "سعاد" وحياة الفتاة الأخرى مع مستقبله؟ هذا ما سنعرفه في الجزء الثاني.

تعليقات

عدد التعليقات : 1