الرحلة الأخيرة : سر الطائرة المفقودة
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة مساءً في مطار كوالالمبور الدولي، وكانت الحركة المعتادة تملأ المكان. مسافرون يركضون للحاق برحلاتهم، موظفو المطار يدفعون عربات الأمتعة، وضجيج مكبرات الصوت يعلن عن مواعيد الإقلاع. خلف الزجاج العريض، أضاءت مدرجات الطائرات بأضواء تشبه النجوم الصغيرة.
![]() |
الرحلة المفقودة - غموض الطائرة الماليزية MH370 وما وراء اختفائها |
في إحدى البوابات، كانت طائرة الخطوط الجوية الماليزية MH370 تستعد للإقلاع نحو بكين. على متنها، جلس الركاب الذين تراوحوا بين رجال أعمال، وسياح، وعائلات. من بينهم كانت هناك أم شابة تداعب طفلها الذي لا يتجاوز عمره ستة أشهر، وزوجان مسنان يتحدثان عن أحفادهما، وشاب في مقتبل العمر يحمل حقيبة ظهر تبدو أثقل من حجمها.
داخل قمرة القيادة، جلس الكابتن زهاري أحمد شاه، رجل في الثالثة والخمسين من عمره، يشتهر بخبرته الطويلة وحبه للطيران. إلى جواره، كان مساعده فريدق عبد الحميد، شاب يبلغ من العمر 27 عامًا، حديث العهد بالطيران ولكنه مفعم بالحماس.
الإقلاع نحو السماء
في تمام الساعة 12:41 صباحًا، تلقت الطائرة إذن الإقلاع. تحركت الطائرة على المدرج، وتعالت أصوات المحركات العملاقة. مع تسارعها، شعر الركاب بالدفعة التي دفعتهم للخلف في مقاعدهم، ثم ارتفعت الطائرة بهدوء في السماء.
داخل المقصورة، هدأت الأنفاس. بدأ المضيفون بالتحرك لتقديم المشروبات، وغطى بعض الركاب في نوم عميق. كانت الرحلة تبدو عادية تمامًا.
آخر اتصال
مرت نصف ساعة. كان كل شيء على ما يرام. على الرادار، كانت الطائرة تظهر وهي تحلق فوق بحر الصين الجنوبي. في الساعة 1:19 صباحًا، أرسل الكابتن زهاري رسالة قصيرة إلى المراقبة الجوية الماليزية:
"تصبحون على خير، الرحلة الماليزية 370."
كانت هذه الكلمات الأخيرة التي يسمعها العالم من الطائرة.
الاختفاء المفاجئ
بعد دقائق قليلة، اختفت الطائرة فجأة من شاشات الرادار المدنية. لم يكن هناك أي إنذار طارئ، ولا استغاثة. في برج المراقبة، بدأ القلق يتصاعد. اتصلوا بالطائرة مرارًا وتكرارًا، لكن الرد لم يصل أبدًا.
في تلك اللحظة، تغير مسار الرحلة. بدلاً من التوجه شمالًا نحو بكين، انعطفت الطائرة بشكل حاد إلى الغرب، محلقًة فوق شبه جزيرة ماليزيا، دون أن ترصدها الرادارات المدنية.
الركاب على متن الطائرة
داخل الطائرة، لم يكن الركاب على علم بما يجري. ربما كانوا نائمين، أو مشغولين بمشاهدة الأفلام على شاشات المقاعد. الأم الشابة كانت تحاول تهدئة طفلها الذي بدأ بالبكاء، بينما كان رجل الأعمال يراجع أوراقه.
ولكن هل كان أحدهم قد لاحظ التغير في المسار؟ ربما شعر أحد الركاب الذين يجلسون بجانب النوافذ بشيء غريب. لماذا كانت الطائرة تحلق في اتجاه مختلف؟
إغلاق الأنظمة يدويًا
في قمرة القيادة، كانت القرارات تتخذ بهدوء. تم تعطيل نظام الاتصال يدويًا، وكذلك جهاز التتبع. هذا الفعل كان متعمدًا، ولكن من قام به؟ الطيار؟ مساعده؟ أم أن هناك شخصًا آخر تمكن من دخول القمرة؟
الخروج عن السيطرة
بينما كانت الطائرة تتجه إلى الغرب، كانت فرق المراقبة الجوية عاجزة عن تحديد مكانها. استمرت في التحليق لعدة ساعات، متجهة إلى المحيط الهندي، أحد أكثر الأماكن عزلة على كوكب الأرض.
الساعات الأخيرة
بحلول الفجر، كانت الطائرة قد ابتعدت كثيرًا عن مسارها الأصلي. على متنها، بدأ الوقود ينفد ببطء. لم يعرف الركاب أنهم كانوا على وشك مواجهة مصير مجهول.
في اللحظات الأخيرة، ربما كانت هناك فوضى داخل قمرة القيادة. هل فقد الطيار السيطرة؟ هل حاول أحد أفراد الطاقم التدخل؟ أم أن الطائرة استمرت في الطيران التلقائي حتى نفد الوقود وسقطت في المحيط؟
البحث اليائس
مع تأخر وصول الطائرة إلى بكين، تحول القلق إلى ذعر. أُبلغت السلطات، وسرعان ما بدأت عمليات البحث والإنقاذ. انضمت عشرات الدول، بما في ذلك الصين وأستراليا والولايات المتحدة.
في البداية، ركزت فرق البحث على بحر الصين الجنوبي، حيث كان من المفترض أن تكون الطائرة. لكن لم يكن هناك أي أثر. لم يجدوا حطامًا، ولا بقع زيت، ولا إشارات استغاثة.
تغيير المسار يثير التساؤلات
بعد أيام من التحقيق، كشفت السلطات الماليزية أن الطائرة غيرت مسارها بشكل غير متوقع. تحولت الأنظار إلى المحيط الهندي، الذي يُعد من أصعب الأماكن للبحث بسبب عمقه واتساعه.
الأسرار المدفونة
بعد مرور أكثر من عام، وفي يوليو 2015، وُجد جزء من جناح الطائرة على شواطئ جزيرة ريونيون في المحيط الهندي. تبعه العثور على قطع أخرى من الحطام على شواطئ مدغشقر ودول إفريقية أخرى.
رغم ذلك، لم تكن هذه الاكتشافات كافية لتقديم إجابات حاسمة. ظلت الأسئلة قائمة:
لماذا غيرت الطائرة مسارها؟
من قام بتعطيل أنظمة الاتصال؟
ماذا حدث في الساعات الأخيرة؟
الألم الذي لا يزول
على الأرض، عاش أقارب الركاب كابوسًا لا نهاية له. في كل ذكرى لاختفاء الطائرة، كانوا يتجمعون حاملين صور أحبائهم. "نريد الحقيقة، لا أكثر"، قالت إحدى الأمهات.
النظريات المتضاربة
مع غياب الإجابات، ظهرت العديد من النظريات:
انتحار الطيار: أظهرت التحقيقات أن الكابتن زهاري كان يمر بمرحلة صعبة في حياته الشخصية، وأشار البعض إلى أنه قد يكون خطط لانتحار جماعي.
الاختطاف: تساءل البعض عما إذا كان أحد الركاب قد اختطف الطائرة، ولكن لم تكن هناك أي مطالب أو رسائل استغاثة تدعم هذا الافتراض.
الكارثة التقنية: ربما كانت هناك مشكلة فنية كارثية أدت إلى فقدان السيطرة.
النهاية المفتوحة
مع مرور السنوات، أصبح من الواضح أن بعض الإجابات قد لا تظهر أبدًا. قد تكون أسرار MH370 دفنت مع الطائرة في أعماق المحيط، حيث لا يستطيع البشر الوصول إليها.
لكن الرحلة الأخيرة تظل محفورة في الأذهان، كواحدة من أكثر القصص غموضًا وإثارة للجدل في تاريخ الطيران.