فيلاند ساغا
في إحدى القرى الهادئة في آيسلندا، حيث تعانق الثلوج الأكواخ الخشبية، كان الصبي ثورفين يعيش حياة هادئة مع والده ثورز، أقوى محاربي الفايكنج، والذي تخلى عن الحرب بحثًا عن حياة مسالمة. كان ثورفين يستمع دائمًا إلى قصص والده عن المعارك القديمة، لكنه لم يكن يتخيل يومًا أن ماضي والده لن يتركهم بسلام، حتى جاء اليوم الذي انقلب فيه كل شيء رأسًا على عقب.
![]() |
قصة انمي فيلاند ساغا - ثورفين محارب الفايكنج الصغير |
ظهر رجل يُدعى فلوني، مبعوثًا من جيش الملك سفين ذو اللحية المشقوقة، طالبًا من ثورز العودة إلى القتال في غزو جديد لإنجلترا. رغم تردده، وافق ثورز في النهاية من أجل حماية قريته وعائلته، لكنه لم يكن يعلم أنه يسير إلى مصيره المحتوم. عند الاستعداد للرحيل، حاول ثورفين التعلق بذراع والده متوسلًا له ألا يذهب، لكن ثورز اكتفى بمسح رأسه مطمئنًا إياه بأنه سيعود. غير مدرك للخطر المحدق به، تسلل ثورفين إلى السفينة، راغبًا في مرافقة والده، ولم يكن يعلم أن رحلته ستبدأ بدموع ودماء.
عندما اقتربت السفينة من السواحل، كانت الأمواج تتلاطم بشدة، كأن البحر نفسه يحذرهم مما هو قادم. فجأة، انطلقت السهام من الظلام، مصحوبة بأصوات الصراخ والحديد المتصادم. كان الكمين بقيادة آسكيلاد، رجل ماكر يقود مجموعة من المرتزقة. أدرك ثورز أن القتال ليس خيارًا، لكنه لم يكن ليسمح لرجاله بالموت عبثًا. بمزيج من القوة والذكاء، استطاع هزيمة رجال آسكيلاد بسهولة، مراوغًا خصومه بخفة لم يعهدها أحد في رجل ضخم مثله. لكن آسكيلاد لم يكن يقاتل بشرف، فقد استغل أسر أحد رجاله وهدد بقتله إن لم يستسلم. بلا تردد، وضع ثورز سيفه أرضًا، معلنًا استسلامه، فكانت تلك اللحظة هي نهايته. اخترق سهم غادر صدره، وسقط على الأرض، بينما كان ثورفين يصرخ باسمه، عاجزًا عن فعل شيء سوى النظر إلى والده وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
منذ تلك اللحظة، لم يعد ثورفين ذلك الطفل البريء. امتلأت عيناه بنار الانتقام، وتسلل إلى سفينة آسكيلاد ليكون تحت خدمته، بانتظار اللحظة التي يتمكن فيها من قتله. لكنه لم يكن ندًا له بعد. عامًا بعد عام، كبر الفتى في ظلال الموت والدماء، وأصبح محاربًا شرسًا، يُنفذ المهام القذرة لصالح آسكيلاد، مقابل فرصة لمبارزته في قتال شريف. لكنه في كل مرة، كان يُهزم، وكانت عيناه تمتلئان بالغضب، بينما يراقب ابتسامة آسكيلاد الساخرة.
عاش ثورفين بين المرتزقة، تعلم منهم كيف يقتل، كيف ينجو، وكيف يكون بلا رحمة. أصبح مقاتلًا محترفًا، يجيد استخدام السكاكين بسرعة البرق. كانت عيناه دائمًا مسمرة على آسكيلاد، متربصًا بفرصته. لكن الأخير كان دائمًا متقدمًا عليه بخطوة. كان آسكيلاد ليس مجرد محارب، بل كان قائدًا داهية، يفكر بعقل استراتيجي، يخطط لكل شيء قبل وقوعه.
مع مرور السنوات، ازداد ثورفين قسوةً وعزلة. كانت رحلاتهم تغزو القرى الإنجليزية وتحرق الحقول، وتنهب الثروات. لم يكن يهتم لكل ذلك، لم يكن يرى في هذه الحروب سوى وسيلة للانتقام. ذات ليلة، بعد معركة طاحنة ضد جيش إنجليزي محلي، جلس ثورفين على شاطئ البحر، ممسكًا بسيفه الملطخ بالدماء، يحدق في الأفق. سأل نفسه للمرة الأولى: "ماذا بعد؟". لكنه سرعان ما طرد الفكرة من رأسه، فلا شيء يهم سوى الانتقام.
مع ازدياد الحملات العسكرية، تغيرت الأمور عندما أصبحت إنجلترا الهدف الأكبر. كانت الجيوش الفايكنجية بقيادة الملك سفين تتقدم في أراضي الإنجليز، وكانت الفوضى تعم البلاد. في هذه المرحلة، التقى ثورفين بالأمير كانوت، الذي كان مجرد شاب ضعيف في البداية، لا يملك القدرة على القتال أو القيادة. كانوت كان تحت حماية محارب ضخم يُدعى ثوركل، رجل عملاق يعشق القتال ولا يرى في الحياة معنى سوى المعارك.
لكن مع تطور الأحداث، ومع خسائر الفايكنج المستمرة، بدأ كانوت يتحول. كان عليه أن يتغير ليبقى على قيد الحياة، ليُثبت أنه يستحق العرش. كانت هذه الرحلة بالنسبة له ولثورفين ولآسكيلاد نقطة تحول عظيمة. فقد كانوت يدرك أن القوة ليست فقط في السيف، بل في القدرة على السيطرة والتخطيط.
حين جاء الوقت الحاسم، قرر آسكيلاد تنفيذ خطته الأخيرة، قتل الملك سفين ليضع كانوت على العرش. كانت هذه لحظة جنونية، لحظة تحدى فيها الجميع، حتى الموت نفسه. في النهاية، انتهى آسكيلاد غارقًا في دمائه، بينما وقف ثورفين مشدوهًا، لا يصدق أن عدوه اللدود قد رحل، ليس بسيفه، بل بسيف غيره.
عندها، أدرك ثورفين أن حياته فقدت معناها. كان هدفه الوحيد هو الانتقام، والآن، ذهب الهدف، وأصبح ضائعًا بلا وجهة. لكن بينما وقف في قاعة الملك، ممسكًا بخنجره، مدركًا أنه لم يعد لديه شيء ليقاتل من أجله، بدأ يفكر في كلمات والده. "ابحث عن فينلاند، الأرض التي لا تعرف الحرب." تلك الكلمات التي لم يهتم لها يومًا، أصبحت الآن الطريق الوحيد أمامه.
رحل ثورفين، تاركًا خلفه عالم الفايكنج، عالم الحرب والدماء، وانطلق في رحلته الجديدة، رحلة البحث عن السلام، عن أرض لم تُلطخها المعارك، عن مكان يستطيع أن يعيش فيه بلا سيف. لكن هل سيتمكن من الهروب من ماضيه، أم أن شبح الحرب سيظل يطارده أينما ذهب؟
بعد سنوات من الترحال، وجد ثورفين نفسه في رحلة عبر المحيط، متجهًا نحو أرض أسطورية تدعى "فينلاند". كانت تلك الأرض، بنظر والده، مكانًا لا تسفك فيه الدماء، ولا تلوثه الحروب. بدأ ثورفين في العمل مع مجموعة من المزارعين والتجار، محاولًا أن يبني لنفسه حياة جديدة بعيدًا عن ماضيه المليء بالعنف. لكنه لم يكن يعلم أن العالم لن يسمح له بالنسيان بسهولة.
حين رسى على شواطئ أرض جديدة، كانت عينيه تتأمل الطبيعة البكر، الغابات الكثيفة، والأنهار التي تنساب بهدوء، كأنها ترحب به بعد سنوات من القتال. للمرة الأولى منذ مقتل والده، شعر ثورفين أن ثقلًا بدأ ينزاح عن قلبه، لكن أعماقه كانت لا تزال معذبة. كانت يداه قد اعتادتا حمل السيف، ولم يكن يعرف كيف يعيش بدون حرب. لكنه حاول، بدأ يعمل في الأرض، يزرع الحقول، يبني الأكواخ، ويتعلم من السكان الأصليين طرقهم في الحياة. كان العمل صعبًا، لكنه كان يشعر بشيء جديد، شيئًا لم يعرفه من قبل، شعور الانتماء.
لم تكن الحياة في فينلاند سهلة. كان على ثورفين أن يثبت نفسه للمجتمع الجديد، أن يتخلى عن غرائزه القتالية، أن يتعلم الصبر بدلًا من الغضب. كان هناك رجل مسن من السكان الأصليين يُدعى مانيتو، لاحظ التوتر الذي يعيشه ثورفين. كان مانيتو يرى في عينيه ماضيًا ثقيلًا، لكنه لم يسأل، بل قدم له نصيحة واحدة: "الأرض لا تحتاج إلى المحاربين، بل تحتاج إلى من يرعاها." تلك الكلمات كانت كالسهم الذي أصاب قلب ثورفين، لكنها كانت أيضًا بريق الأمل الذي احتاجه.
مرت الأشهر، وبدأ ثورفين يتغير. بدأ يجد السلام في العمل مع الأرض، في مساعدة الآخرين، في بناء شيء لا يهدمه السيف. لكنه لم يكن وحده في هذه الرحلة، فقد كان هناك من يراقبه. في إحدى الليالي، جلس على شاطئ البحر، يتأمل القمر الذي انعكس ضوؤه على الماء. كان يفكر في والده، في كل من فقدهم، وفي حياته التي كانت مليئة بالموت. لكن لأول مرة، لم يشعر بالغضب، بل بشيء أقرب إلى القبول. لكنه لم يكن يعلم أن الماضي كان يقترب منه من جديد.
في إحدى الليالي العاصفة، جاء زائر غير متوقع إلى المستوطنة، رجل من الفايكنج، من أولئك الذين عرفوه في أيامه السابقة. كان يعتقد أنه تخلص من ذلك العالم، لكن الحقيقة كانت مختلفة. جاء الرجل برسالة، الفايكنج لم ينسوا اسمه، وهناك من لا يزال يراه مجرد محارب يجب أن يعود إلى القتال.
رفض ثورفين العودة. قال للرجل إنه انتهى من ذلك العالم، لكنه كان يعلم أن الأمور لن تنتهي بهذه السهولة. وبالفعل، لم يمض وقت طويل حتى ظهرت مجموعة من الفايكنج المسلحين على شواطئ فينلاند، جاءوا ليأخذوه بالقوة. وقف ثورفين أمامهم، بلا سلاح، بلا درع، لكنه لم يكن خائفًا. كان قد قرر ألا يرفع سيفه مجددًا، لكن هل سيسمح له العالم بذلك؟
حاول التحدث إليهم، أن يقنعهم بأن العنف لن يجلب لهم شيئًا، لكنه كان يعرف الفايكنج، ويعرف أنهم لا يفهمون سوى لغة القوة. تقدم قائدهم، رجل ضخم يحمل ندوب المعارك، وسأله: "أتعتقد أنك تستطيع الهرب من ماضيك؟" نظر إليه ثورفين بثبات، وأجاب بهدوء: "أنا لا أهرب، بل أبحث عن شيء مختلف. أنتم أيضًا تستطيعون العثور عليه."
ضحك القائد بسخرية، ثم رفع سيفه. في تلك اللحظة، شعر ثورفين بشيء داخله، كان ذلك النداء القديم، ذلك الدافع للقتال، لكنه قاومه. لم يكن يريد أن يعود إلى ذلك الطريق. لكنه لم يكن وحده. سكان المستوطنة، من المزارعين والصيادين، وقفوا خلفه. لم يكونوا محاربين، لكنهم لم يكونوا ضعفاء. كانت لديهم إرادة الحياة، إرادة الدفاع عن حلمهم.
كان أمام ثورفين خياران: إما أن يعود إلى القتال، أو أن يجد طريقًا آخر. تذكر كلمات والده، "المحارب الحقيقي هو من لا يحتاج إلى السيف." تنفس بعمق، ثم تقدم خطوة نحو القائد، بلا خوف. قال له بصوت ثابت: "إذا كنت تريد القتال، فافعلها، لكن لن تجد هنا حربًا. ستجد رجالًا لا يريدون إلا الحياة. وإن كنت لا تفهم ذلك الآن، ربما تفهمه لاحقًا."
صمت القائد للحظة، ثم نظر إلى رجاله. لم يكن يتوقع هذا الموقف. لقد اعتاد أن يرى الخوف، لكنه لم يرَ هذا النوع من الشجاعة من قبل، الشجاعة التي لا تحتاج إلى سلاح. أمر رجاله بالرحيل، لكنه قبل أن يغادر، نظر إلى ثورفين وقال: "ربما تكون قد وجدت طريقك، لكن ليس كل منا يستطيع فعل ذلك."
حين اختفى الفايكنج في الأفق، شعر ثورفين بأن معركة جديدة قد انتهت، لكنها لم تكن معركة بالسيف، بل معركة داخلية، معركة ضد ماضيه. علم حينها أنه قد وجد هدفه الحقيقي، ليس الانتقام، ليس الحرب، بل بناء عالم مختلف. عالم لا يحتاج إلى محاربين.
في الأيام التي تلت ذلك، عاد إلى العمل في الأرض، لكن هذه المرة، كان يعمل بقلب أخف، بعقل أكثر هدوءًا. لم يكن ماضيه قد اختفى، لكنه لم يعد يسيطر عليه. لقد أصبح شيئًا يتعلم منه، لا شيئًا يقيده. ومع كل نبتة يزرعها، ومع كل حجر يضعه في بناء منزله، كان يشعر بأنه يخلق شيئًا لم يكن يعتقد يومًا أنه ممكن: حياة حقيقية.
وهكذا، بعد سنوات من البحث، وجد ثورفين أخيرًا فينلاند، ليس فقط كأرض، بل كحلم تحقق، وكروح وجدت طريقها إلى السلام. لكنه كان يعلم أن هذا السلام لن يكون سهلًا، وأن عليه حمايته ليس بالسيف، بل بالإرادة والعمل. ومع ذلك، كان مستعدًا، مستعدًا أخيرًا للعيش كإنسان، لا كمحارب.
كان هذا ملخص خفيف لهذا الانمي الرائع، هل اعجبكم ؟